خلق آدم وسجود الملائكة له
سلسلة ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ﴾
بسم الله والصَّلاة والسلام على رسول الله.
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعين به،
ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، إنه من يهده
الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
قصتنا اليوم ستكون "خلق آدمَ عليه السلام وسجودُ الملائكة له"، وهي قصة عظيمة، فيها من العبر والدروس الكثير، سيكون تركيزُكِ أيتها الأمُّ على تعليم الطفل في عدة أمور؛ منها:
♦ الإيمان بالغيب من خلال الإيمان بالملائكة، ووصفهم للطِّفل وذِكر أمثلةٍ لهم.
♦ طاعة الله عز وجل، وتنفيذ أمره مهما كان هذا الأمر من خلال موقِفَي ملَك الموت، والأمر بالسجود لآدم عليه السلام.
♦ تقبيح المعصية للطفل، وبيان شؤم عاقبتها، والتنفير من الكبر والحقد والحسد.
♦ بيان بُغض إبليس لبني آدم، ورغبته في إدخالهم النار؛ حتى ينشأ الطفل على كراهيته وعداوته.
♦ بيان رحمة الله عز وجل بعباده، وأنه غفور رحيم.
ويمكنك - مربيتنا الفاضلة - الاستعانةُ بالنَّصائح الموجودة في هذه المقالة؛ لإضافة عنصر التشويق لدى الطِّفل.
قصة خلق سيدنا آدم عليه السلام (أبو البشر) وسجود الملائكة له:
خلق سيدنا آدم عليه السلام:
في قديم الزمان، وقبل سنوات كثيرة لا يعلم
عددها إلا الله عز وجل، لم يكن هناك بشرٌ على هذه الأرض، ولم يكن هناك
مخلوقاتٌ إلا الجنَّ والملائكة، أراد الله عز وجل أن يخلق البشر؛ ليعيشوا
على الأرض، فيَعمُروها ويُصلحوها ويعبدوا الله عز وجل، ويكون منهم الرسل
والنبيون والشهداء، وقوم صالحون يدخلون الجنة؛ ليتنعموا فيها.
فبعث الله عز وجل سيدنا جبريلَ إلى الأرض؛
ليأتيه بطين منها، [تتوقف الأم وتسأل: أتعلم مَن هو سيدنا جبريل؟ ثم تخبره
الأم عن عظَمة هذا الملَك، وتَصِفه بحجمه الهائل، وأجنحته الستِّمائة
وقوته الشديدة، وأنه ملك مقرَّب إلى الله عز وجل، وكلَه الله تعالى
بالوحي]، فلما أراد سيدنا جبريل أن يأخذ من الأرض استعاذت منه، وقالت: أعوذ
بالله منك أن تَنقُص مني أو تشينني، فرجَع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت
بك فأعذتُها.
فبعث ميكائيل، فعاذت منه فأعاذها، فرجع،
فقال كما قال جبريل، فبعث ملَك الموت، فعاذت منه، [تتوقف الأم هنا وتقول:
يا إلهي! وما العمل؟! هذه الأرض ذكيَّة، تستعيذ بالله حتى لا ينتقص أحد
منها شيئًا، ماذا تظنون أنها قد تفعل مع ملَك الموت؟! هل سيَرجع بدون أن
يأخذ منها شيئًا كما رجع سيدنا جبريلُ وسيدنا ميكائيل؟ وتتركُهم يجيبون
ويخمنون، ثم تستكمل]، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع، ولم أنفِّذ أمره!
فأخذ من وجه الأرض وخلطَه، ولم يأخذ من
مكانٍ واحد، وأخذ من تربةٍ بيضاءَ، وحمراءَ، وسوداء؛ فلذلك خرج بنو آدم
مختلِفين، فهناك الأبيض والأسمر، وهناك الطيب والخبيث، وهناك السهل في
طباعه والصعب؛ [حبَّذا لو ذكرَت الأم هنا أمثلةً ملموسة للأطفال باختلاف
ألوان البشر، واختلاف صفاتهم]، فصعد به، فبلَّ التراب حتى عاد طينًا يلزق
بعضه ببعض[1]، فشَكّله الله على صورة إنسان، وترك هذا الطين مدَّة حتى جفَّ، فصار صلصالاً أسودَ مصوَّرًا كالفخَّار.
سجود الملائكة:
خلق الله عز وجل سيدنا آدمَ بيده، وقال
للملائكة: إذا أنا نفختُ فيه من روحي فاسجُدوا له سجودَ إجلالٍ وتكريم،
وهنا ينبغي أن توضح الأم أن السجود لم يكن سجود عبادة، وإنما سجود لشرف
سيدنا آدم، وطاعةً وعبودية لله عز وجل، فما دام الله أمرَهم بالسجود فيجب
أن يسمَعوا لله ويطيعوا.
وبالفعل بمجرَّد أن نفخ الله عز وجل في
آدم من روحه تحرَّك جسده، ودبَّت فيه الحياة، فتح سيدنا آدمُ عينَه فرأى
الملائكة كلَّهم ساجدين له! منظر عجيب ومهيب؛ كل الملائكة سجَدوا لسيدنا
آدم إلاَّ واحدًا، مخلوق غريب حقير، عصى أمر الله عز وجل! تُظهر الأم
الاندهاش والتعجب وتقول: [يا إلهي! مَن هذا الذي خالف أمر الله عز وجل فلم
يسجد لآدم؟] إنه إبليس! ذلك الشيطان الرجيم الذي خلقه الله عز وجل من نار،
تكبَّر ورفض أن يسجد لآدم، وظل ينظر للملائكة وهم سجود بتكبر وحقد وحسد.
ولما سأله الله عز وجل عن امتناعه عن
السجود كما أمره، ردَّ بكل وقاحة وكِبر: أنا خيرٌ من هذا الآدم؛ خلقتني من
نار وخلقتَه من طين! فكيف أسجد له وأنا أفضل منه؟! [تقول الأم: انظروا يا
صغاري كيف يفعل الكِبر بصاحبه؟ يظن أنه أفضلُ من غيره من الناس، فيحتقرهم
ويتطاول عليهم، قلبه مريض، مليء بالحقد والحسد، وكانت هذه أوَّلَ معصية
عُصي الله عزَّ وجل بها].
وهنا كان الأمر الإلهيُّ من الله عز وجل
بطردِ هذا المخلوق المتمرِّد العاصي، طرده الله عز وجل من رحمته، ومن تلك
المكانة العالية التي كان فيها، وأنزل الله عز وجل لعنته عليه، [أرأيتم
أبنائي، معصية واحدة فقط فعَلها إبليس؛ فكان مصيره الطرد من رحمة الله! أمر
واحد فقط من الله لم يستجب له إبليسُ كان سببًا في أن تحُلَّ عليه اللعنة
إلى يوم القيامة، فلا بد وأن ننتبه ونطيع الله عز وجل ولا نعصيه، ولو وقعنا
في المعصية فلنسرع بالتوبة، وطلب المغفرة من الله عز وجل؛ حتى يغفر لنا
الله، ويتوب علينا، ثم تسأل: تظنُّون ماذا فعل إبليس بعد أن عصى الله؟ هل
سارع بالتوبة أم ظلَّ على استكباره وعناده؟].
حقد إبليس واستكباره:
كان إبليس مخلوقًا حَقودًا، امتلأ قلبه
بالكِبر، وبدلاً من أن يَطلب الغفران من الله على معصيته استمرَّ في عناده،
وطلب من الله عز وجل طلبًا عجيبًا؛ حِقده وحسَده لآدم وذريته تحوَّل إلى
رغبة كبيرة في الانتقام منه! فهو يظنُّ أنَّ آدم هو السبب في طرده من رحمة
الله، ونسى أنَّه هو السبب في ذلك لَمَّا عصى أمر الله عز وجل.
فأراد أن ينتقم منه ومن ذريته، وأصرَّ على
أن يُدخلهم النار معه، فقال إبليس: أخِّرني يا رب إلى يوم القيامة، تسأل
الأم: أتعلمون لماذا طلب إبليسُ هذا الطلب الخبيث؟ ثم تجيب مع إظهار لمحةٍ
من الغضب: [لأنه يكرهنا، ويريد أن يُدخلنا النار ويَحرمنا من الجنة، فأعلنَ
الحرب علينا، وأصرَّ على أن يزيِّن المعاصي لبني آدم، فيجعلهم يفعلون
السيئات ويعصون أوامر الله كما عصى هو أمر الله، فكل مَن يسمع كلام الشيطان
سيدخل معه النار ويُحرم من الجنة الجميلة التي فيها كل أنواع النعيم].
وقال لله عز وجل بتحدٍّ: "وَعِزَّتِكَ يَا
رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي
أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي
وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي"[2]
تتغير نبرة الأم إلى الحبِّ وتقول: [ما أرحمَ الله عز وجل وأكرمَه!
الشيطان يَكرهنا، ويُريد أن يعذِّبنا معه في النار، ولكن الله يحبنا
ويرحمنا، ويريد أن يدخلنا الجنة، ومن يستغفر الله فالله عز وجل يَغفر له!].
أرأيتم ما الذي يجب أن نفعله عندما يوسوس
لنا الشيطان بالمعصية؟ هل نسمع كلامه ونطيعه أم نقاومُه ونحاربه بقوَّة ولا
نطيعه؟ وتبدأ الأمر بإعطاء أمثلة على ذلك، فتسأل: [ماذا لو وسوس لك
الشيطان أنْ لا تصلي؟ هل ستَسمع كلامه أم تعصيه وتذهب للصلاة؟ ماذا لو وسوس
لك الشيطان أن تضرب أخاك الصغير؟ هل تطيعه أم تحاربه وتعصيه؟].
وتستطرد قائلةً:
الله عز وجل جعل كيدَ الشيطان ووسوسته ضعيفة، والمؤمن أقوى منه؛ لأنَّ
الله عز وجل مع المؤمنين، فنحن في معركةٍ مع الشيطان، ثم تسأل بحماس: فمن
سيَربح في هذه المعركة؟ وتترك أبناءها يجيبون بكلِّ حماس وقوَّة: نحن إن
شاء الله سننتَصر على الشيطان.
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 32 - 40].
وآخِر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
[1] "تفسير الطبري" (607) (سورة البقرة: 30).
[2] "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (4/ 290).
إرسال تعليق