دل على وجوده تعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.
1- أما الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (رواه البخاري).
2- وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.
لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟!
ولا يمكن أن توجد صدفة، لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟!
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين.
وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]. يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ . أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35- 37]. وكان جبير يومئذٍ مشركًا قال: "كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" (رواه البخاري).
ولنضرب مثلاً يوضح ذلك: فإنه لو حدثك شخص عن قصرٍ مشيد، أحاطت به الحدائق وجرت بينها الأنهار، ومليء بالفرش والأسرة، وزين بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: "إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد" لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثه سفهًا من القول، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه، وسمائه، وأفلاكه، وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه، أو وجد صدفة بدون موجد؟!
3- وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
4- وأما أدلة الحس على وجود الله فمن وجهين:
الوجه الأول: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، حيث قال تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ..} [الأنبياء: 76].
وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ..} [الأنفال: 9].
وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا، لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشروط الإجابة.
الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء التي تسمى المعجزات ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله ونصرًا لهم.
مثال ذلك: آية موسى عليه السلام حين أمره الله تعالى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} فضربه فانفلق اثنى عشر طريقًا يابسًا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].
ومثال ثاني: آية عيسى صلى الله عليه وسلم، حيث كان يحيي الموتى ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال تعالى عنه: {..وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ..} [آل عمران: 49]. وقال تعالى: {..وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي..} [المائدة: 110].
ومثال ثالث: لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حين طلبت منه قريش آية ومعجزة، فأشار إلى القمر فانقلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ . وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1- 2]. فبهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله، ونصراً لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى.
فسبحانه وتعالى ما أعظمه وما أحلمه على عباده...
فلك الحمد يا ربنا على ما هديتنا فارضى عنا، وثبت قلوبنا على دينك وطاعتك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كتيب شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-.
1- أما الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (رواه البخاري).
2- وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.
لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟!
ولا يمكن أن توجد صدفة، لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟!
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين.
وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]. يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ . أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35- 37]. وكان جبير يومئذٍ مشركًا قال: "كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" (رواه البخاري).
ولنضرب مثلاً يوضح ذلك: فإنه لو حدثك شخص عن قصرٍ مشيد، أحاطت به الحدائق وجرت بينها الأنهار، ومليء بالفرش والأسرة، وزين بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: "إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد" لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثه سفهًا من القول، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه، وسمائه، وأفلاكه، وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه، أو وجد صدفة بدون موجد؟!
3- وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
4- وأما أدلة الحس على وجود الله فمن وجهين:
الوجه الأول: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، حيث قال تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ..} [الأنبياء: 76].
وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ..} [الأنفال: 9].
وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا، لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشروط الإجابة.
الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء التي تسمى المعجزات ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله ونصرًا لهم.
مثال ذلك: آية موسى عليه السلام حين أمره الله تعالى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} فضربه فانفلق اثنى عشر طريقًا يابسًا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].
ومثال ثاني: آية عيسى صلى الله عليه وسلم، حيث كان يحيي الموتى ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال تعالى عنه: {..وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ..} [آل عمران: 49]. وقال تعالى: {..وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي..} [المائدة: 110].
ومثال ثالث: لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حين طلبت منه قريش آية ومعجزة، فأشار إلى القمر فانقلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ . وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1- 2]. فبهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدًا لرسله، ونصراً لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى.
فسبحانه وتعالى ما أعظمه وما أحلمه على عباده...
فلك الحمد يا ربنا على ما هديتنا فارضى عنا، وثبت قلوبنا على دينك وطاعتك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كتيب شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-.
إرسال تعليق