0

قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام (1) للأطفال


بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
إنَّ الحمد لله نَحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد، فقد تكلَّمنا في قصة سابقة عن أبي البشَرِ سيدنا نوح، واليوم ستكون قصتنا عن أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم، وقد سُمِّي بأبي الأنبياء؛ لأنَّ جميع الرسل والأنبياء الذين جاؤوا مِن بعدِه كانوا من نسله، وهو مِن أولي العزم مِن الرسُل، وكان أُمَّة قانتًا لله حنيفًا، خصَّه الله - عز وجل - دونًا عن البشر بأنَّ جعلَه خليلاً للرحمن؛ قال تعالى ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125]، والخُلَّة هي: شدة الحبِّ، ولم يكن ذلك إلا لأسباب عديدة سنتطرَّق لها في قصتنا - إن شاء الله - لنعلم عظم مكانته وقوة إيمانه وحبه لله عزَّ وجلَّ.

ستركِّز الأم فيها على غرس عدة معانٍ في نفس الطفل؛ منها:
الثبات على الحق وإن كثُر المُخالِفون لك.
إقامة الحُجَّة على بطلان عبادة الأصنام ببيان عَجزِها الشديد.
النفْع والضر بيد الله - عز وجل - وحده دون سواه.
الإحسان لمَن لهم حق علينا؛ كالوالدَين وإن كانوا كافِرين.
اللُّطف والرفْق واللِّين عند الدعوة إلى الله - عز وجل.
مقابلة الإساءة بالإحسان طلبًا لرضا الله - عز وجل.

مولده عليه السلام:
ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام في العراق بمدينة اسمها بابل، كان أهل بابل يتخبَّطون في ظلام الكفر، فلم يكونوا يعبدون الله - عز وجل - بل في وقتهم انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
قوم يعبدون الكواكب.
قوم يعبدون الأصنام.
قوم يعبدون الملوك.

بيئة مُنحرفة العقيدة، ظلام وجهل وضلال، في هذا الجو ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام، عاش طفولته في كنف أسرة ليست ككل الأسر، فوالده لم يكن كافرًا عاديًّا، وإنما كان هو مَن يَصنع الأصنام وتماثيل الآلهة ويَبيعها للناس ليعبدوها، ترى كيف سيكون حاله وهو يتربَّى ويَكبَر في بيئة كهذه؟

نشأته:
تمرُّ السنوات ويَكبَر سيدنا إبراهيم، وكان فتًى نجيبًا ذكيًّا، رزَقه الله - عزَّ وجل - الفهم والحكمة، فنشَأ كارهًا للأصنام والتماثيل، يتعجَّب مِن أبيه وقومه كيف يعبدون تلك الأصنام التي لا تسمع ولا ترى، ولا تضر ولا تنفع؟ كيف يصنعون تماثيل بأيديهم ثم يعبدونها؟! (تتوقَّف الأم وتقول: "هكذا كان يفكر سيدنا إبراهيم؛ فمع أنه عاش في أسرة كافرة تعبد الأصنام، إلا أنه لم يستسلم للأمر ويتبع أسرته بدون تفكير ويقول: ما دام أبي وأسرتي يعبدون الأصنام فلا بدَّ أن أعبدها أنا أيضًا، بل استعمل عقله الذي أنعم الله به عليه ليفكِّر ويهتدي إلى الحق، وهكذا يجب أن يكون المسلم، لا يكون تابعًا لأحد؛ وإنما يبحث عن الأمر الصحيح ويفعله، حتى ولو كان الجميع يخالفه ويفعل عكسه)، كل هذه التساؤلات كانت تمرُّ في عقل سيدنا إبراهيم، حتى اهتدى بعقله وقلبه السليم وفِطرته أنَّ هناك خالقًا لكل هذه المخلوقات هو الذي خلقها، وهو فقط الذي يستحق العبادة دون غيره.

وكان سيدنا إبراهيم نجيبًا - على صغر سنِّه - قويَّ الحُجة، يستطيع أن يتحاوَرَ بذكاء، فقرَّر أن يواجه قومه على اختلاف آلهتهم (تَبتسِم الأمُّ وتقول: أرأيتم قوة إيمانه وثقته؟! لم يَخجل من استقامته، أو يَقُلْ: هم كثيرون أقوياء معًا، وأنا وحدي ضعيف، بل أخذ المبادرة وبدأ في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي كان يراها أمامه، ترى ماذا سيفعل ليُواجِههم ويبيِّن لهم خطأهم؟ تعالوا لنعرف).

حجة، وبيان:
في يوم مِن الأيام انطلَقَ سيدنا إبراهيم للصَّحراء، وكما أراه الله - عز وجل - الحق الذي هو خلاف أبيه وقومه، أراه الله - عز وجل - أيضًا مظاهر ربوبيته، فبدأ يَنظر في آيات الله - عز وجل - في ملك السموات والأرض؛ ليَزداد إيمانًا على إيمانه، وليَكون مِن العالِمين علمًا يقينًا لا شكَّ فيه أنه على الحق، وأنَّ قومه على الباطل[1].

فكَّر سيدنا إبراهيم في طريقة لكي يُفهِم قومه كيف أنهم على الباطل، وأن الكواكب التي يعبدونها لا تصلح أن تكون آلهة، فلمَّا جاء الليل وساد الظلام نظَر سيدنا إبراهيم إلى السماء، فرأى كوكبًا لامعًا، فقال: هذا ربي، (تَنظر الأم لأطفالها وتسألهم: برأيكم لماذا قال لهم ذلك؟ هل معقول أنَّ سيدنا إبراهيم بعد أن عرَف الله - عز وجل - وأنه فقط هو من يستحق العبادة يقول: إن الكوكب هو ربه؟! تنتظر إجاباتهم ثم تقول: بالطبع لا، هو فقط يناظرهم ويُحاورهم؛ ليقيم الحجة عليهم، فاستخدم هذه الحِيلة لكي يبيِّن لهم خطأهم، وكأنه يقول لهم: تعالوا لنرى هل يَستحقُّ هذا الكوكب أن نعبده أم لا، أراد أن يبيِّن لهم بالدليل والحُجَّة القوية أنَّ هذا الكوكب لا يترقى بأيِّ حال مِن الأحوال أن يكون ربًّا يُعبد)، وبعد فترة غابَ هذا الكوكب واختفى، وهنا قال سيدنا إبراهيم لهم: "كيف للإله أن يَختفي عن معبوده؟ الإله الحق لا بد أن يكون قائمًا بمَصالِح مَن عبده، ومدبرًا له في جميع شؤونه، فأما الذي يَمضي وقتٌ كثير وهو غائب، فمِن أين يستحق العبادة؟! وهل اتخاذه إلهًا إلا مِن أسفه السفه، وأبطل الباطل؟![2].

(تبتسِم الأم وتنظر لأطفالها وتقول: أرأيتُم حُجته؟! ما أذكى سيدنا إبراهيم! ولكن لم ينته الأمر بعد، ما زال يُحاول معهم ليبين خطأهم، هيا لنرى ماذا سيحدث بعد).

بعد قليل ظهر القمر بجماله وبهائه في السماء ساطعًا، فقال: هذا ربي، (تبتسِمُ الأم لأطفالها وتَهمِس: ما زال يحاول أن يبيِّن لهم خطأهم) وصبر وانتظر، حتى يردَّ عليهم، وتحيَّن الفُرصة حتى اختَفى القمر، فلما أفل القمر كما أفل الكوكب من قبله، قال مُسْمِعًا مَن حوله من قومه: لئن لم يهدني ربي إلى جناب الحق وإلى الطريق القويم الذي يرتضيه، لأكوننَّ مِن القوم الضالين عن الصراط المستقيم؛ لأنَّ هذا القمر الذي يَعتريه الأفول - أيضًا - لا يَصلح أن يكون إلهًا[3]، (تَقِف الأم هنا وتقول: انظروا يا أبنائي لفطنة سيدنا إبراهيم؛ لم يأتِ لقومه ويقول لهم مباشَرة: أنتم على خطأ وضلال، وأن له ربًّا غير ربهم، وهو خالق الكواكب والأقمار التي يعبدونها؛ لأنه لو فعل ذلك لرفضوا كلامه ولم يقبلوه، فالذي يفعله الآن أنه يُهيئهم ويُحضرهم لكي يتقبلوا تصريحه بعد ذلك بوجود إله غير آلهتِهم فيُحاول إفهامهم بلطف وهدوء وبالدليل، ويخاطب عقولهم لعلهم يفهمون أنَّ تلك الكواكب - التي تظهر وتختفي - لا تصلح أن تكون آلهة تُعبَد مِن دون الله، ولكن هل سيتقبَّلون كلامه أم سيرفضونه؟! تعالوا لنعرف).

ومرَّ الوقتُ، وتلاشى الليل، وبدأت الشمس تشرق، فأشار للشمس وقال لهم: هذا ربي؛ هذا أكبر من الكوكب والقمر، وصبر وانتظر حتى بدأت الشمس بالمغيب، فلما غابت هي أيضًا، وقتَها تقرَّر الحق والهُدى، وتوجَّه لهؤلاء القوم الذين كانوا يَعبدونها، وأعلَنَها لهم، وقال بكل قوة: أنا بريء مِن عبادة تلك الكواكب والنجوم وتلك الآلهة المزيَّفة التي لا تنفع ولا تضر، ولا تَسمع ولا تُبصِر، وأعلن توحيده لله - عز وجل - الذي خلق السموات والأرض والكواكب والنجوم، الذي بيده ملكوت السموات والأرض إلهًا واحدًا لا شريك له، ودعاهم إلى عبادته سبحانه، ولكن للأسف لم يَستمِعوا إليه، وبدؤوا يُجادلونه ويُحاوِرونه ويقولون: إن آلهتهم التي يعبدونها أفضل مِن إلهه، فقال لهم بكل قوة: أتُجادلونني في توحيدي لله، وإخلاصي العمل له دون ما سواه من آلهة، وقد وفَّقني ربي لمعرفة وحدانيته، وبصَّرني طريق الحقِّ حتى أيقنتُ أنْ لا شيء يستحقُّ أن يُعبَد سواه، فقالوا له بغضب: إياك أن تتكلَّم عن آلهتنا بسوء، وإلا آذَتْك الآلهة وضرَّتْكَ، ولكنه أجابهم بيقين وثقة بالله: لا أخاف ما تشركون بالله من هذه الآلهة أن تنالَنِي بضر ولا مكروه؛ لأنها لا تنفع ولا تضر إلا أن يشاء ربي شيئًا، ولكن خوفي مِن الله الذي خلَقني وخلَق السموات والأرض، فإنه إنْ شاء أن يَنالني في نفسي أو مالي بما شاء من فناء أو بقاءٍ، أو زيادة أو نقصان، أو غير ذلك، نالني به؛ لأنه القادر على ذلك[4].

ولكن مَن وجَبَ عليه الخوف هو أنتم؛ لأنكم أشركتم بالله - عز وجل - بدون دليل ولا بيِّنة، ثم تركهم وانصرَف بعد أن أقام عليهم الحُجَّة، وبيَّن لهم بطلان آلهتهم وعبادتهم لها (تتوقَّف الأم، وتقول بنبرة انبهار واعتزاز: كم هو رائع سيدنا إبراهيم، شابٌّ قوي الإيمان، ثابت العزم، شجاع؛ فلم يَخفْ مِن تَهديدِهم؛ لأنه يعلم أنَّ الضارَّ والنافع هو الله، ولا بد أن نتعلم منه ذلك، ونعلم أنْ لا أحد في هذا العالم كله قادر على أن يضرنا بشيء إلا أن يشاء الله، فإذا هددك أحد أو خوَّفَكَ فكن شُجاعًا واثقًا بالله أنه لا يضرك إلا إذا شاء الله عز وجل).

دعوة سيدنا إبراهيم لأبيه:
بعد أن بيَّن إبراهيم عليه السلام الحُجة على عَبَدة الكواكب والنجوم، استعدَّ لجولتِه الثانية مع عُبَّاد الأصنام، فحبُّه لله - عز وجل - وقوة إيمانه تجعله دائم الدعوة لعبادته سبحانه، لا يستطيع أن يرى عقيدتهم الفاسدة ويَسكُت، وهكذا استعدَّ لمواجَهةٍ ثانية، ولكنها مواجَهة أصعب وأشدُّ (تسأل الأم أطفالها: أتدرون لماذا؟ لأن هذه المواجهة مع شخص يُحبُّه كثيرًا ويقدِّره، إنه والده الذي رباه وعاش تحت كنَفِه، كيف يا تُرى ستكون هذه المواجهة، وهل سيَستمع إليه والده ويترك عبادة الأصنام؟).

كان والد سيدنا إبراهيم اسمه (آزر)، وكان رجلاً كافرًا، يعمل نجارًا فيصنع الأصنام ويعبدها ويبيعها للناس ليعبدوها، وكما كان سيدنا إبراهيم حريصًا على هداية الناس وإرشادهم لعبادة الله وحده لا شريك له، كان أشد حرصًا لهداية والده، ولا غرابة في ذلك؛ فسيدنا إبراهيم كان شابًّا بارًّا بوالده، مُحبًّا له، يريد له الخير، فبدأ بدعوته، وكان يُخاطبه خطابًا لينًا رفيقًا بأسلوب جميل فيَنتقي الكلمات المؤثِّرة التي تُلامس القلوب، لعلَّ قلب والده يرق ويستجيب له، وفي نفس الوقت يُخاطب عقله وفكره، فقال له: يا أبتِ، ما تصنَع بعبادة الوَثَن الذي لا يسمع وَلا يُبْصِر شيئًا، وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا، ولا يدفَع عنك ضرَّ شيء، إنما هو صورة مصوَّرة لا تضرُّ ولا تنفع؟ ما تصنَع بعبادة ما هذه صفته؟ أعبد الذي إذا دعوتَه سمع دعاءك، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرَك، وإذا نزَل بك ضرٌّ دفع عنك[5].

يا أبتِ لا تحقرني وتقول: إني ابنك، وإن عندك ما ليس عندي، بل قد أعطاني الله من العلم ما لم يُعطِك، فاتبعني في عبادة الله - عز وجل - وطاعته (تتوقف الأم وتقول بنبرة حنان: انظروا إلى برِّ سيدنا إبراهيم بوالده، وكيف يتلطف في الخطاب معه، فيقول له بكل رقة: يا أبتِ، ويكرِّرها في كلِّ عبارة ليُشعِرَه بالقرب، وأن الدافع لدعوته هو حبه الشديد له ورغبته في هدايته، ولم يتحدَّث بقَسوة واستكبار فيقول له: أنا أعلم منك أو أنت جاهل، بل تحدَّث معه بكل أدب واحترام؛ فهو والده الذي لا بدَّ وأن يَحترمه ويُحسن معاملته حتَّى وإن كان كافرًا).

استمرَّ سيدنا إبراهيم يدعو والدَه ويُحاول أن يُقنِعَه بشتى الوسائل أن يترك عبادة الأصنام، فحذَّره مِن عبادة الشيطان، ذلك الخبيث الذي يسعَد بعبادتهم للأصنام، وتركِهم عبادة الله الواحد الأحد، ذلك العدو الذي أقسم أن يضلَّ بني آدم ويريد هلاكهم، وبيَّن له مشفقًا محبًّا أنه يَخشى عليه من عذاب النار التي أعدَّت لمَن يَكفر بالله - عز وجل - تلك النار التي يجب على كلٍّ منا أن يَحذرَها؛ فأجسادُنا الضعيفة لا تستطيع تحمُّل النار ولا عذابها، (تَنظُر الأم لأطفالها بحزن وتقول بنبرة أسفٍ: حاول سيدُنا إبراهيم مع أبيه، حاول وحاول، مرة بالعقل، ومرة بالحب، ومرة بالإقناع، فكيف يا تُرى كانت ردة فعل الأب؟).

على الرغم مِن أنَّ سيدنا إبراهيم استخدَم الأسلوب الليِّن الرقيق، والكلمات المؤثِّرة، والحُجة القوية في دعوة والده، فإنَّ الوالد لم يستمع له، ولم يتبع الحق الذي جاء به سيدنا إبراهيم، بل استمرَّ في عبادته للأصنام والكفر بالله - عز وجل - (تتوقَّف الأم وتقول بنبرة تعجب: ويا ليته اكتَفَى بذلك! ولكنَّه فعل أمرًا غريبًا حقًّا، أتدرون ماذا فعل؟ قابَلَ دعوة ابنه بالغِلظة والجفوة)، بل لقد قال له بغضب شديد - على سبيل التهديد والوعيد -: أتارك أنت يا إبراهيم عبادة آلهتي، وكارهٌ لتقرب الناس إليها، ومنفِّرهم منها؟ لئن لم تَنتهِ عن هذا المسلك، لأرْجُمَنَّكَ بالحجارة وبالكلام القبيح، وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا؛ بأن تغرب عن وجهي زمنًا طويلاً لا أحبُّ أن أراك فيه[6].

(تُظهر الأم الدهشة وتقول: يا إلهي، أمعقولٌ؟! أبٌ يرجُم ابنه بالحجارة، ويطلب منه أن يبتعد عنه؟! أي أبٍ قاسٍ هذا الأب؟! أرأيتُم الكفر ماذا يفعل في الإنسان؟ يجعله يتخلَّى عن إنسانيته ويَبتعِدُ عن فطرته التي فطره الله عليها، كم هو موقف صعب على سيدنا إبراهيم أن يسمع من والده تلك الكلمات القاسية!).

وهكذا قابل الأب الكافر أدبَ ابنه المؤمن بالفظاظة والغلظة والتهديد والعناد والجهالة، شأن القلب الذي أفسده الكفر! (تنظر الأم لأبنائها قائلة: قلبان؛ أحدهما مؤمن مليء بالحب والرحمة والعطف واللِّين، سليم من البُغض والكره والحقد، ذاك هو قلب المؤمن الموحِّد لله المحب الخير للناس، وقلبٌ كافر فاسد مليء بالشرور والجهل والبغض لا يَعرِف الله، ثم تسألهم: أيُّ قلب منهما تحب أن يكون قلبك؟).

مع كل تلك القسوة والجفاء إلا أنَّ سيدنا إبراهيم لم يقابل السيئة بمثلها، فلم يجرحه أو يَقْسُ عليه، بل ظل متمسكًا بأخلاقه العالية ورقة مشاعرِه تجاه والده، وعرف للأبوة حقَّها، فقال له بحنوٍّ بالغ: سلام عليك، سأستغفر لك ربي، وسأظلُّ أدعو لك بالهداية والمَغفِرة، فالله - عز وجل - رحيم رؤوف بحالي (تتابع الأم قائلة: وهكذا ظلَّ سيدنا إبراهيم على وعده في الاستغفار لأبيه فترةً لا يَعلم مداها إلا الله، فالمسلم لا بدَّ وأن يحفظ الوعد ويفي به، حتى نهاه الله - عزَّ وجلَّ - عن ذلك؛ لأنَّ المسلم لا يجوز أن يستغفر للمُشركين حتى ولو كانوا أقرب الأقربين إليه).

خرج إبراهيم من عند أبيه حزينًا مهمومًا، ولكن مع ذلك لم ييئس ولم يفكِّر لحظةً في ترك الدعوة إلى الله، بل خرج من عند والده أكثر إصرارًا وعزيمةً على دعوة باقي قومه؛ لعلَّهم يَستمعون إليه ويَترُكون عبادة تلك الأصنام، وكانَتْ تلك هي المواجَهة الثالثة، والتي سنعرف تفاصيلها في الحلقة القادمة - إن شاء الله.


[1] تفسير الوسيط لطنطاوي (الأنعام - 75) بتصرُّف يَسير.
[2] تفسير السعدي (الأنعام: 76).
[3] تفسير الوسيط لطنطاوي (الأنعام: 77).
[4] تفسير الطبري (الأنعام: 80).
[5] تفسير الطبري (مريم: 42).
[6] تفسير الوسيط لطنطاوي (مريم - 46).

إرسال تعليق

 
Top