سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بحرٌ فيه من جواهر الأخلاق ما لا يعد ولا يحصى، كيف لا وهي سيرة النبي الذي
جعل الله لنا فيه أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، ومن السيرة
المشرفة نتعلم كيف كان يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يقومون
بخدمته، وليكون لكل صاحب بيت عنده خدم، أو كل صاحب عمل أسوة حسنة في كيفية
التعامل معهم.
لنأخذ في ذلك مثالًا .. سيدنا أنس ابن مالك
خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف استقبله النبي في أول لقاء
بينهما، لما أتت به أمه وقالت للرسول: يا رسول الله هذا أنس غلامك يخدمك
فادع الله له، فقبّله الرسول بين عينيه ودعا له وقال: "اللهم أكثر ماله
وولده وبارك له وأدخله الجنة".
واستجاب الله دعاء الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم فعاش أنس تسعًا وتسعين سنة ورُزِق مائة من الولد، ورزقه الله تعالى
رزقًا حسنًا فكان نخيله يحمل في السنة مرتين.
وكان هذا أول لقاء بدأت النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بالحب والرحمة والدعاء، ثم يصف لنا سيدنا أنس كيف كان يعاملة
النبي فيقول: "والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء كرهه لمّ فعلته، ولا
لامني نساؤه إلا قال لهن: دعوه إنما كان هذا بكتاب وقَدر، وما قال لشيء
صنعته لمّ صنعته؟ ولا لشيء تركته لمّ تركته ؟.
أنظروا مقدار رحمة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم مع الخدم ومع المرؤوسين، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه أفضل الخلق في التزام الرحمة، وإيثار العفو، والتمسك بالإحسان، والتخلق بالبساطة، والتواضع، والعطاء.
سأل أحد الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يومًا كم نعفو عن الخادم؟، فسكت النبي، فقال الرجل يا رسول الله كم نعفو
عن الخادم؟، فسكت النبي، فكررها الرجل يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: في اليوم أكثر من سبعين مرة.
وروي عبدالله بن مسعود أنه ضرب خادمًا له فسمع
صوتًا من الخلف يقول له: إعلم أن الله أقدر عليك من قدرتك على هذا الخادم،
فالتفت فإذا بالذي خلفه هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بن مسعود:
هو حر لوجه الله، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم تفعل ذلك
لمستك النار.
وضرب عبدالله ابن عمر يومًا خادمه من غير أن
يوجعه، فسأله ابن عمر هل أوجعتك، فقال الخادم لا .. فقال له أنت حر لوجه
الله .. فتعجب الناس فقال إني سمعت رسول الله يقول إذا ضرب أحدكم خادمه
فكفارته أن يعتقه.
وعن تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحكي
لنا خادمه سيدنا أنس ابن مالك فيقول "خدمته - صلى الله عليه وآله وسلم -
عشر سنين، فوالله ما صَحِبته في حضر ولا سفر لأخدمه، إلا كانت خدمتُه لي
أكثرَ من خدمتي له".
ما أعظم ما كان يربي عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في معاملتهم مع الخدم والمرؤوسين، فهل يا ترى نتعلم تلك الأخلاق؟.
إرسال تعليق