هل هناك تناقض في القرآن كما
يدعي المشككون؟ وهل القرآن من تأليف الرسول صلى الله عليه وسلم؟ من خلال
هذه السلسلة نحاول الإجابة....
يحاول بعض الملحدين والمشككين
أن يثيروا شبهات حول إعجاز القرآن في هذا العصر، ولكن الله يأبى إلا أن
يسخر لهذا القرآن من يستخرج عجائبه ويرد هذه الافتراءات بشكل علمي ...
فالله تعالى وصف كتابه في أول صفة في القرآن بقوله: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2].
ولذلك سوف نرى من خلال هذه
السلسلة من رد الافتراءات أن الله تعالى قد أودع في القرآن الكريم كل
الحقائق العلمية التي تثبت أن القرآن بالفعل "لا ريب فيه" أو لا شكّ فيه.
تناقض في القرآن: الأرض خلقت قبل السماء !!
ومن تلك الافتراءات على كتاب
الله تعالى، أن القرآن يؤكد أن الأرض خُلقت أولاً ثم خلقت السماء، ويستدلون
على ذلك بقوله تعالى في الآية التاسعة من سورة فصلت حيث تؤكد الآية خلق
الأرض: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت: 9]، ثم يقول في الآية الحادية عشرة: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) [فصلت: 11]، وهذا يخالف
العلم الحديث حيث يؤكد العلماء أن المجرات والنجوم والغبار الكوني... كلها
خلقت قبل الأرض بمليارات السنين...
رد هذا الافتراء
1- الآية التي تحدثت عن خلق الأرض (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) لا يوجد آية قبلها تحدثت عن
خلق السماء؟ وهذا لا يدل على أن الأرض خلقت أولاً.. إذا الآية بدأت تذكر
أولئك المشككين بأن الله تعالى خلق الأرض في يومين. واليوم بالنسبة لله
تعالى لا نعرف كم يساوي يوماً من أيام أرضنا.
فكما نعلم هناك كواكب تدور
حول شمسها خلال أيام، وكواكب تدور مرة واحدة كل مئة سنة مثلاً، وكواكب تدور
ربما كل ألف سنة أو أكثر؟ وهناك نجوم تدور حول مركز مجرتها كل مئة مليون
سنة دورة واحدة... فاليوم يختلف من مكان لآخر، يمكن أن يساوي 24 ساعة كما
على الأرض، ويمكن أن يساوي مليار سنة كما في المجرات البعيدة.. لذلك
اليومين لخلق الأرض لا يتناقض مع العلم الحديث الذي يؤكد أن الأرض تشكلت
خلال مليارات السنين.
2- إن القرآن يتطابق مئة
بالمئة مع العلم الحديث في تسلسل الخلق! فالآيات التي تحدثت عن خلق السموات
والأرض يأتي ذكر السموات ثم الأرض غالباً. مثلاً يقول تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الشورى: 29]، ذكر السموات قبل الأرض. كذلك قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) [الدخان: 38]. أيضاً ذكر السموات ثم الأرض، كذلك قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [ق: 38]. وقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف: 9]... (وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) [الجاثية: 22]...
حتى عندما يتحدث عن بداية خلق السموات والأرض نجد القاعدة ذاتها تتكرر: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الشورى: 10] أي أن الله هو من بدأ خلق السموات والأرض... إلا آية واحدة: (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا)
[طه: 4]. ذكرت الأرض قبل السماء، ولكن واو العطف هنا لا تدل على الترتيب
أو التسلسل، على عكس كلمة (ثم) التي تدل على الترتيب والتسلسل.
3- أما الآيات في سورة فصلت فقد ذكرت خلق الأرض في قوله تعالى في الآية التاسعة من السورة حيث تتحدث الآية عن خلق الأرض: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت: 9]، ثم يقول في الآية الحادية عشرة: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) [فصلت: 11]، والذي يدقق
النظر يجد أن الآية الأخيرة لا تتحدث عن خلق السماء بل عن الحالة الدخانية
للسماء، أي أن السماء موجودة أصلاً أثناء فترة خلق الأرض، ولكنها كانت في
الحالة الدخانية... وهذا ما يقوله العلماء.
هذه صورة من رسم فنان لما كا
يبدو عليه الكون قبل مليارات السنين (كان عمر الكون 880 مليون سنة حسب
المرجع 1) ونرى الدخان الكوني يسيطر على المشهد!... العلم اليوم يؤكد أن
الكون ظل لفترة طويلة في حالة من الغاز والغبار والدخان.. وأثناء هذه
الحالة تشكلت الأرض، هذا بالضبط ما يقوله القرآن (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، حيث إن القرآن يقول إن الأرض خلقت بينما كانت السماء دخاناً، أي أن السماء خلقت قبل الأرض وليس العكس..
تناقض جديد: الكون كان مليئاً بغاز الهيدروجين وليس بالدخان؟
يقول الملحد: إن العلم يؤكد
وبعد الانفجار الكبير أن الكون كان مليئاً بغاز الهيدروجين وغاز الهيليوم،
والقرآن يقول إن الكون كان دخاناً في بداية خلقه، فأين هذا الدخان؟! أي أن
هناك تناقضاً بين القرآن والعلم والله تعالى لا يخطئ، إذاً القرآن ليس كلام
الله!!
ولكن الله تعالى سخر بعض
العلماء ليكتشفوا الحقيقة... يقول العلم الحديث وحتى سنوات قليلة: إن الكون
كان في بداية تشكله كان مليئاً بغاز الهيدروجين، ومن هذا الغاز تشكلت
النجوم، ولكنهم اكتشفوا وجود كميات هائلة من الغبار تعود لبلايين السنين،
ولكن لم يتوقعوا أن الكون في بداياته المبكرة جداً كان مليئاً بالغبار،
وبعد ذلك اكتشفوا بأن هذا الغبار ما هو إلا جزيئات دخان!!! ولكنهم لا زالوا
يسمونه غباراً مع العلم أن التسمية الأدق علمياً هي الدخان.
صورة بالمجهر لجزيئة غبار
كوني ويبلغ طولها وسطياً من واحد بالمئة من الميكرون وحتى 10 ميكرون
(الميكرون جزء من مليون من المتر)، ويقول العلماء إن وصف هذه الجزيئة
بالغبار ليس دقيقاً بل يفضل أن نقارنها بجزيئة الدخان التي تبلغ نفس الحجم
ونفس التركيب الكيميائي (حسب المرجع 5).
القرآن لم يستخدم كلمة غبار
أو غاز في الحديث عن بداية تشكل الكون، بل استخدم كلمة (دخان)... سبحان
الله، هل هذا تناقض مع الحقائق العلمية أم توافق تام؟!
حسب وكالة الفضاء الأمريكية
ناسا فإن الأرض والنجوم والكواكب... جميعها تشكلت في بيئة كونية حيث تنتشر
كميات كبيرة من الدخان الكوني (ويسميه العلماء الغبار)، ونرى في الصورة
مزيجاً من النجوم والدخان، وتسمى هذه البيئة بمصانع النجوم الأكثر إضاءة في
الكون! القرآن ذكر الدخان وذكر النجوم في آيتين متتاليتين: الأولى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) الآية 11، الثانية (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) الآية 12 وهذا يؤكد أن القرآن لا يتناقض مع العلم.. سبحان الله!
يقول العلماء في أحدث بحث علمي (حسب مجلة Astrophysical Journal 10-2012, والمرجع 4) إن الدخان (أو الغبار) موجود في الكون منذ 13 مليار سنة، هذه المعلومات معتمدة من المصادر التالية: (Source: NASA, ESA, and The Hubble Heritage Team (STScI/AURA)-ESA/Hubble Collaboration)
يقول الباحث Finkelstein لم نكن نتوقع وجود هذه الكميات من الغبار في الكون في بداياته المبكرة، ويقول بالحرف الواحد:
"We thought that 13 billion years ago would have been so early in the universe, that dust really didn't have a chance to form."
أي أننا تصورنا أنه قبل 13
مليار عام عندما كان الكون في بداياته فإن الغبار حقاً لم يكن أمامه فرصة
للتشكل" ويقول: إننا كنا نعتقد أن الكون في بداية خلقه تشكلت النجوم من
الهيدروجين والهيليوم، ولكن الغبار يتألف من عناصر أثقل مثل السيليكون،
والمغنزيوم.. فكيف تشكل هذا الغبار؟
إن هذه الدراسة تثبت لنا أن
كلام الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ولذلك نجد سورة
فصلت حيث ذكرت هذه الآيات الكريمة، تؤكد أن الله سيُري أولئك الملحدين
معجزاته في آفاق الكون، حتى يدركوا أن القرآن هو الحق: (سَنُرِيهِمْ
آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
وأخيراً نكون قد أثبتنا أن
القرآن لا يناقض العلم ولا يخالفه، وهذا ما أكده القرآن نفسه عندما حدد لنا
طريقة رائعة في إثبات أن القرآن كلام الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82] ونحن نتحدى أي ملحد أن يخرج لنا آية واحدة في القرآن تناقض الحقائق العلمية...
في المقالة التالية سوف ندحض افتراءً تردد
كثيراً عن هذا الموضوع حيث يدعون أن القرآن فيه خطأ حسابي، حيث ذكر القرآن
مراراً أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولكن هناك آية ذكر فيها أن
مدة الخلق ثمانية أيام!! سوف نثبت بالدليل القاطع أنه لا تناقض ولا اختلاف
في كتاب الله تعالى... وإلى مقالة جديدة نستودعكم الله ... ونسأله تعالى
أن يجعل هذه السلسة وسيلة لكل باحث عن الحقيقة يرى من خلالها صدق رسالة
الإسلام. مع رجاء المساهمة في النشر وبخاصة لأولئك المشككين..
إرسال تعليق