وظائف وأعمال الملائكة
مع الأدلة
قال الله تعالى: ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴾ [المرسلات: 1 - 6].
المرسلات: قيل: الملائكة، وقيل: الرياح، ولا شك أن الله يرسل الملائكة لتدبير أوامره، ومعنى: "عرفًا"؛ أي: متتابعة.
العاصفات: قيل: الملائكة، وقيل: الرياح، وعلى تقدير حملها على الملائكة فلأنها تعصف (تضرب) بأجنحتها في مُضيِّها.
والناشرات: قيل: الملائكة،
وقيل الرياح، وقيل: المطر، وعلى تقدير حملها على الملائكة: لأنها تنشر كتب
بني آدم وصحائف أعمالهم، ولأنها تنشر أجنحتها في الجو صعودًا ونزولًا،
ولأنها تنشر أوامر الله في الأرض والسماء، ولأنها تنشر النفوس فتحييها
بالإيمان، ويكون معنى "أنشر" أحيا.
والراجح في الباقي (الفارقات الملقيات)
أنها الملائكة؛ فهي بنشرها أوامرَ الله فرقت بين الحق والباطل، وكان ما
ألقته من الذكر إعذارًا وإنذارًا للناس.
وقال تعالى: ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ [الصافات: 1 - 3].
والصافات: لأنها تصفُّ عند ربها كما تقدم.
والزاجرات: لأنها تزجر السحاب، أو لأنها تجيء بالآيات التي تزجر الناس.
فالتاليات ذكرًا: وهذه كالآية السابقة ﴿ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ [المرسلات: 5].
وقال تعالى: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [النازعات: 1 - 5].
والنازعات غرقًا: الملائكة، وهي تنزع أرواح بني آدم بعنف، فتُغرِق في نزعها، (ومعنى الإغراق أن يبلغ به الغاية في النزع).
والناشطات نشطًا: الملائكة تأخذ الروح بسهولة، والمقصود: السرعة والخفة.
والسابحات سبحًا: وهي الملائكة.
فالسابقات سبقًا: الملائكة تسبق إلى أمر الله.
والمدبرات أمرًا: الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض بأمر ربها، وهم المقصودون بقوله تعالى: ﴿ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا
﴾ [الذاريات: 4]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الملائكة، وكلهم الله
بأمور عرفهم العمل بها، والوقوف عليها، بعضهم وُكِّل ببني آدم يحفظون
ويكتبون، وبعضهم وُكِّل بالأمطار والنبات، والخسف والمسخ، والرياح والسحاب.
ولنذكر بعض هذه الأعمال التي وردت في القرآن والسنة:
• منهم الموكل بالوحي، وهو الروح الأمين جبريل؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 97]، وقال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194].
وهو روح القدس؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [النحل: 102].
وقد وصفه الله بأنه ﴿ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ ﴾ [النجم: 5، 6]؛ أي: ذو منظرٍ حسَن جميل.
وقال تعالى في وصفه أيضًا: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 19 - 21].
•
ومنهم الموكل بالقطر والسحاب وتصاريفه حيث أمره الله، وهو ميكائيل؛ ففي سنن
الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الرعد ملك من ملائكة
الله موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله))[1]، و"المخراق": آلة، وفي الأصل: ثوبٌ يلف ويضرب به الصبيان.
وقد ثبت في الحديث: أن اليهود سألوا النبي
صلى الله عليه وسلم عن أسئلة، قالوا عنها: لا يعلمها إلا نبي، فلما أخبرهم
قالوا: من وليك من الملائكة؟ قال: ((جبريل))، قالوا: جبريل الذي يأتي
بالقتال والحرب! لو كان ميكائيل الذي يأتي بالرحمة والقطر والنبات
لاتبعناك"[2].
•
ومنهم الموكل بالصور، وقد ثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:
((كيف أنعم وقد التقم صاحب القَرْنِ القَرْنَ، وحنى جبهته، وأصغى سمعه
ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ؟!))، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟
قال: ((قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا، وربما قال
سفيان: على الله توكلنا))[3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو
العرش، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان))[4].
ومعنى "طرف صاحب الصور"؛ أي: جانب العين؛ أي: إنه يلحظ بطرف عينه نحو العرش.
• ومنهم الموكلون بقبض الأرواح، وهو "ملك الموت"[5]، وله أعوان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11].
وقال تعالى في بيان أعوانه: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61].
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [الأنفال: 50].
وقد ورد في حديث البراء بن عازب رضي الله
عنه: أنهم يأتون العبد بحسب عمله؛ فإن كان محسنًا جاءته ملائكة بِيض
الوجوه، بيض الثياب، ويجلسون منه مد البصر، وإن كان غير ذلك جاءته ملائكة
سود الوجوه، سود الثياب، ويجلسون منه كذلك مد البصر[6].
ثم إذا قبض ملك الموت روح العبد لم تدعها
الملائكة في يده طرفة عين، بل تضعها في حنوط حسب عمله؛ إن كان محسنًا ففي
كفن من كفن الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، وإن كانت غير ذلك وضعتها في
المسوح، وهي الثياب الخشنة التي تحملها ملائكة العذاب.
وقد وردت الآيات ببيان الصورة التي تنزع بها الأرواح.
أما أرواح الكفار والفجرة فهي تنزعها نزعًا شديدًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ
تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ
بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ
عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ
وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93].
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ
تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ
وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الأنفال: 50].
وأما أرواح المؤمنين فقال تعالى: ﴿ إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
• ومنهم الموكلون بحفظ العبد، في حِلِّه وارتحاله، وفي نومه ويقظته، وفي كل حالاته.
قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11].
وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾ [الأنعام: 61].
قال ابن عباس رضي الله عنه: "المعقبات من
الله هم الملائكة، جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا
جاء قدر الله الذي قدر أن يصل إليه، خلوا عنه"[7].
وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له ملك موكل
بحفظه في نومه ويقظته من الجن الإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه إلا قال
له الملك: وراءك، إلا شيء أذن الله فيه، فيصيبه"[8].
• ومنهم الموكلون بكتابة الأعمال:
فيكتبون أعمال العباد من خير أو شر؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12].
وقال تعالى: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18].
و"القعيد": المترصد، و"الرقيب العتيد": أي: المراقب المعد ذلك.
وظاهر الآيتين أنه يكتب كل ما يصدر من الإنسان من أفعال وأقوال ظاهرة وباطنة، لا يتركون شيئًا؛ لذلك قال تعالى عن المشركين: ﴿ وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا
كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الكهف: 49].
وقد ثبت في بعض الروايات أن ملك اليمين يكتب الحسنات، وملك الشمال يكتب السيئات.
فقد روى الطبراني في الكبير بإسناد حسن
بلفظ: ((إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن
ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة))[9].
ومما يدل على أنهم يكتبون الأعمال الباطنة قوله تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 12]؛ فالآية على عمومها لكتابة الأعمال ظاهرها وباطنها.
• ومنهم الموكلون بسؤال القبر وفتنته، وهما منكر ونكير.
وقد جاء في وصفهما:
أ، ب -
أنهما أسودان أزرقان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((إذا أقبر الميت - أو قال: أحدكم - أتاه ملكان أسودان
أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير...))؛ الحديث[10].
ج - أنهما جعدان[11]؛ فقد روى الآجري عن أبي الدرداء: أنه علم رجلًا فقال في حديثه: "فجاءك ملَكان أزرقان جعدان، يقال لأحدهما: منكر، وللآخر: نكير"[12].
• ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار:
قال تعالى: ﴿ وَسِيقَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا
فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ
رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ﴾ [الزمر: 71] إلى قوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا
جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73].
وقد ورد في بعض الآثار: أن رئيس خزنة الجنة اسمه "رضوان"، ولم يثبت في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالعلم عند الله.
وأما النار فقد ثبت في الآيات بيان عدد الخزنة، واسم مقدمهم ورئيسهم؛ قال تعالى: ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77]، ومما جاء في وصفهم أنهم غلاظ شداد؛ قال تعالى: ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
ومما ورد في توبيخهم لأهل النار ما ذكره الله تعالى في كتابه؛ حيث قال: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ *
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا
بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: 49، 50].
• ومنهم الموكلون بالرحم:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمَع في
بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك،
ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات؛ بكَتْب رزقه،
وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد))[13].
• ومنهم حملة العرش:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [غافر: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17].
قال الشيخ حافظ حكمي: (ومفهوم هذه الآية من قوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ أن حملة العرش ليسوا اليوم ثمانية)[14].
ويؤيد ذلك ما روى الإمام أحمد عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق أمية بن
الصلت في شيء من شعره:
رجلٌ وثور تحت رِجْل يمينه ♦♦♦ والنَّسْر للأخرى وليث مرصد
فقال رسول الله: ((صدق))[15]؛ اهـ.
وهذا يدل على أنهم الآن أربعة[16]، أحدهم في صورة رجل، والثاني في صورة ثور، والثالث في صورة نسر، والرابع في صورة أسد.
• ومنهم الموكل بالجبال:
وقد ثبت في حديث الطائف وعودة النبي صلى
الله عليه وسلم منها أنه أتاه جبريل فقال له: ((إن الله قد سمع قول قومك
لك، وما ردوا به عليك وقد بعث الله إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم،
فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد، ذلك فيما شئت، إن شئت أن
أطبق عليهم الأخشبين، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من
أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا))[17].
• ومنهم القرين الذي يحث المؤمن على الخير ويدعوه إليه:
وقد ثبت في الحديث: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة))[18].
• ومنهم الذين يبشرون المؤمن عند موته:
كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وغير ذلك من الأعمال، والله أعلم.
• ومنهم من لهم أعمال غير ذلك[19]؛
فمنهم من يكتب أسماء من يذهب إلى المسجد يوم الجمعة، ومنهم من يتعاقبون في
وقت الصلاة، ومنهم سيَّاحون يبحثون عن مجالس الذِّكر، ومنهم من تظلل
الشهداء بأجنحتها، ومنهم من يشيعون جنازة الصالحين؛ فقد شيع سعد بن معاذ
رضي الله عنه سبعون ألف ملك.
[1] صحيح: الترمذي (3117)، والنسائي في الكبرى (5/ 336)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3553).
[2] رواه أحمد (1/ 278)، والطبراني في الكبير (12/ 246).
[3]
أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1709) من طرق عن أبي سعيد، وابن
عباس، وزيد بن أرقم، وأنس، وجابر بن عبد الله، والبراء بن عازب رضي الله
عنهم.
[4]
صحيح: رواه الحاكم (4/ 603) وصححه، وزاد الذهبي أنه على شرط مسلم، قال
الشيخ الألباني: أصاب الحاكم، وأخطأ الذهبي؛ أي: إن الحديث صحيح فقط، وليس
على شرط مسلم.
[5]
ورد في بعض الآثار: أن اسمه عزرائيل، ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه
وسلم شيء؛ فالصحيح أن نقول: (ملك الموت)، ولا نقول: (عزرائيل)؛ لأن ذلك من
الغيب الذي نحتاج فيه إلى بيان ذلك من القرآن، أو السنة الصحيحة.
[6] وهو حديث صحيح، وسيأتي بتمامه ص116.
[7] انظر تفسير ابن كثير (2/ 662).
[8] تفسير الطبري (7/ 350).
[9] حسن: رواه الطبراني في الكبير (8/ 185)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 391)، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع) (2097).
[10] حسن: رواه الترمذي (1071)، وابن حبان (3117)، وابن أبي عاصم في السنن (864)، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني (1391).
[11] أي: شعرهما جعد، أو: في وجوههما الجعد، وهو العبوسة.
[12] ابن أبي شيبة (3/ 53)، ورواه الآجري بـإسناد رجاله ثقات، وهو موقوف على أبي الدرداء، وله حكم المرفوع.
[13] البخاري (3208)، ومسلم (2643)، وأبو داود (4708)، والترمذي (2137).
[14] معارج القبول (2/ 667).
[15]
إسناده جيد، ورواه أحمد (1/ 256)، والطبراني في (الكبير) (11/ 233)، وابن
خزيمة في التوحيد، وصححه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 12).
[16] وأما حديث الأوعال وأنهم ثمانية، فإنه حديث ضعيف.
[17] رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795)، ومعنى (الأخشبان): جبلا مكة المحيطان بها.
[18] رواه مسلم (2814)، وأحمد (1/ 385).
[19] سردت هنا بعض أعمالهم بدون ذكر الأدلة؛ حتى لا يطول بنا الكتاب، وهي كثيرة صحيحة مشتهرة بفضل الله تعالى.
إرسال تعليق